الحبيب عيدروس بن عمر الحبشي

هو الحبيب العلامة المسند الكبير والمحقق المحدث الإمام القطب عيدروس بن عمر بن عيدروس بن عبد الرحمن الحبشي


هو الحبيب العلامة المسند الكبير والمحقق المحدث الإمام القطب عيدروس بن عمر بن عيدروس بن عبد الرحمن الحبشي، ولد رضي الله عنه في أول شهر الله المحرم في مدينة الغرفة ( المسماة بغرفة باعبَّاد ) بوادي حضرموت، عام 1237هـ  .

نشأته، وذكر بعض من شيوخه

 وقد نشأ وتربى بالغرفة في حجر والده العلامة : عمر بن عيدروس المتوفى عام 1250هـ، وفي حجر عمه العلامة محمد بن عيدروس المتوفى عام 1247هـ .

عندما كان الحبيب عيدروس في الخامسة من السنين عَني به عمه بإقرائه ( القرآن )، ثم توفي عمّه وله من العمر عشر من السنين، وكان رضي الله عنه يقول متحدثًا بنعمة الله عليه : “إني إذا قرأت القرآن أحس بالمعاني تتوارد على قلبي مثل السحب” ، و توفي والده وله من العمر ثلاث عشرة سنة أي قبل بلوغه سن الاحتلام، وبعد وفاة والده توجه إلى المشايخ وجثا على ركبتيه بين أيديهم ولما رآه أشياخه في ذلك الإقبال ألقوا عليه أنظارهم ومنحوه بجواهر من علومهم وأسرارهم ، وأطلقوا لسانهم بالمديح فيه ونوَّهوا بفضله، وفي ذلك الوقت من الطفولة عرف الحبيب عيدروس الصلاة فأتقن وضوءها وعرف شروطها وأركانها وتعلق باطنه بها مواظبًا على الأذكار والأدعية التي بعدها، وغلب عليه الخوف والوجل وحُببت إليه الخلوة والانقطاع إلى الله عز وجل فلما تفرّس فيه والداه النجابة، أسرعا في إرشاده بعزيمة، فأخذا يملآن عليه من العقائد والأذكار بالتلقين فيحفظ ذلك في أسرع وقت .

ومن عناية والده له أدرك أكابر وأئمة أهل ذلك العصر، فمن شيوخه :

الحبيب أحمد بن عمر بن سميط  والحبيب حسن بن صالح البحر ، والحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر رضي الله عنهم، وبقية العبادلة السبعة، ومن في طبقتهم، وغيرهم ممن أثبتهم وترجم لهم المترجم له في أثباته. فمشايخه كثيرون معروفون، ذكر في كتابه {عقد اليواقيت}عددًا منهم، وذكر تراجمهم وإجازاتهم ووصاياهم، ثم تابع سلسة الأخذ والتلقي، والإجازة إلى مشائخهم وآبائهم وأجدادهم .. حتى وصل التلقي والأخذ إلى سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه، إلى سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم . 

 وقد قال الحبيب علي الحبشي مشيرًا إلى ذلك الإسناد :

وممن مضى من أهل عصري أئمة  
مسلسلة منهم أسانيد أخذهم        
أب يتلقى عن أبيه  و هكذا  فيا        

أخذت طريق الحق عنهم بإسناد
إلى خير محمود وأشرف حماد
لك   من   آبا   كرام   وأولاد

تلاميذه الآخذين عنه 

وأما الأخذون عنه، ومن تتلمذوا على يديه .. فجم غفير ، يصعب عدهم من كهلهم إلى صغيرهم ، فقد انتفعوا به وأخذوا عنه، أبرزهم الحبيب علي بن محمد بن حسين الحبشي، والحبيب عبد الرحمن بن محمد بن حسين المشهور ، والحبيب عبيد الله بن محسن السقاف رضي الله عنهم وأرضاهم، وغالب علماء الدهر ، وفقهاء العصر ، من أهل حضرموت والحرمين الشريفين، خصوصًا لما حجّ وزار سيد الكونين، سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وانتفع به القاصي والداني، من أهل الإسلام والإيمان، فهو شيخ مشائخ المتأخرين من أعيان وأعلام وأئمة وادي حضرموت وغيرها من البلدان بل قد عمّت مشيخته العالم الاسلامي .

ما قيل في الحبيب عيدروس

قال سيدنا الحبيب عبد الرحمن السقاف بن أحمد بن علي الجنيد : كنت أقرأ على الوالد في ( هدية الصديق ) للحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر ، فلما وصلت إلى قوله :

حبذا الخمول والعالم المجهول 

ليس له فضول بربه مشغول

قال : أتعرف من هذا وصفه ؟! قلت : لا، قال : ذلك عيدروس بن عمر  .

قال سيدنا علي بن عمر السقاف في الحبيب عيدروس : “الولد الذكي الطالب الراغب المنيب الفائز إن شاء الله من الخير بأوفر حظ ونصيب”، وقال أيضًا : سيدي الولد الحبيب النجيب ، المكلؤ بسر اسمه اللطيف السالك الراغب في كل وصف حسن منيف .

قال سيدنا محمد بن أحمد بن جعفر الحبشي فيه بعد أن قرأ عليه وطلب منه الإجازة : قصدني من شأنه السلوك والاهتداء فلاحت عليه لوائح الاقتفاء والاقتداء، وهو حقيق بذلك وأهل لما هنالك لأنه شجرة أصلها ثابت وفرعها تفرع مما يقتات تؤتي أكلها كل حين ويأتي ثمرها من رب العالمين .

أخلاقه 

كان الحبيب عيدروس بن عمر الحبشي رضي الله عنه، إلى جانب سعة علومه وفهمه، من أعظم الناس خُلُقًا، شديد الصبر، بالغ الاحتمال، يعرض عن أذى معانديه ويكل أمرهم إلى مولاه، حتى أنه ابتُليَ بالسحر في أواخر عمره، وقد عفا وصفح .

وكان في المصائب صابرًا متهلّل الوجه، يغلبه البكاء أحيانًا فيما يشوبه بالضحك، زاهدًا في الدنيا وزينتها، غير مُعظم لأهلها، منقطعًا إلى العلوم والعبادات. ومع زهده، كان يُظهر نعمة الله عليه في لباسه ونفقاته، ويركب الخيول المُسوّمة، وله فرس عربية لا يثبت عليها سواه.

كان بسّامًا لكل من لقيه، غنيًا كان أو فقيرًا، كبيرًا أو صغيرًا، يُقابل الناس بما يسرّهم حتى يظن المرء أنه أحبّ الخلق إليه، كلامه مرتَّل مع تمام الإعراب، حتى مع خدمه، لا يمزح إلا نادرًا، محفوظ اللسان، لا يأمر ولا ينهى إلا تلويحًا، حرصًا على النفوس التي غلبت عليها الطباع.

وكان وقورًا في حديثه، يفسح المجال لغيره، متواضعًا للصغار والكبار، يقف للأطفال إذا أقبلوا عليه، وقد ينحني لأصغرهم. وكان يؤتى إليه من القريب والبعيد، فيكرم الجميع، ويُجيب الدعوة على أي طعام، مهما كان بسيطًا، ويؤنس من دعاه إن رآه منكسف البال.

مصنفاته في علم الإسناد

صنف في علم الإسناد ما فيه الغنية للبيب، من كل قارئ وخطيب، وكل عابد ومنيب :

  • فأجلها وأجمعها للشوارد والفوائد ، المشتمل على وصايا نافعات، وحكم علميات، كتابه العظيم، المحتوي على علوم محققة، وتراجمهم الصادقة، ( عقد اليواقيت الجوهرية ، وسمط العين الذهبية ، بذكر طريق السادات العلوية ) ، الذي هو مظهر إسناد المتأخرين من السادة العلويين، والمشايخ الصادقين، ذوي المعرفة واليقين، فهو الغنية والكفاية والنهاية وقد حوى كثيرًا من تراجم مشايخه الذين بلغوا تسعة عشر شيخًا، فكتابه العظيم نموذج عجيب، وكتاب جامع جليل، أجاد وأفاد، ونفع به العباد، وحفظ سلسلة الأخذ والإسناد، وقد نقل من الكتاب المذكور كثير من علماء العالم الإسلامي في كثير من الأقطار ، وأشادوا به وأثنوا عليه، وقد أُعجب به كثيرًا السيد العلامة المسند : عبد الحي الكتاني الإدريسي الحسني ، وذكره في كثير من مؤلفاته .

وكان الحبيب العلامة عبد الله بن عمر الشاطري رضي الله عنه يعد المترجم له من أكبر مشائخه، وتظهر عليه علائم البشر والابتهاج عندما يتلى عليه كتاب ( عقد اليواقيت الجوهرية ) وخصوصًا عند ذكر سنده واتصاله برجال العلم والدين، وأهل الولاية واليقين، ويقول ( جزى الله عنا جامع هذا الكتاب خيرًا ؛ لأنه حفظ لنا أشياء تكاد تندرس لولا ضبطه لها ) .

  • ومن مصنفاته ( عقود اللآل في أسانيد الرجال )  و ( منحة الفتاح الفاطر في الاتصال بأسانيد الأكابر ) ، وقد جمع تلميذه الشيخ عمر بن عوض شيبان كتابًا في كرامات ومناقب وأشعار المترجم له، سماه  : ( الفيوضات العرشية )، وجمع تلميذه الحبيب عبيد الله بن محسن السقاف بعض مواعظه وكلامه المنثور في مجلد سمّاه ( النهر المورود من فيض الكرم والجود ) .

فائدة  .. من مفاهيم الحبيب عيدروس بن عمر الحبشي قال في قوله صلى الله عليه وسلم : ﻻ تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب أو تصاوير ، قال : البيت هو القلب، والكلب هو الهوى، والصور هي الدنيا، أي : لا تدخل الملائكة قلبًا فيه هوى أو دنيا، يعني ملائكة الأسرار والمعارف والأنوار والنفحات وهذا بلسان أهل الإشارة .

وفاته 

لما كان الحبيب عيدروس رضي الله عنه كامل التأسّي بجده الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في حياته كان كذلك في وفاته فعُودي كما عُودي وأُوذي كما أوذي، وذلك لما نال رضي الله عنه كمال الإتباع له وعلو الارتفاع فأراد الحسّاد غياب شمسه فعملوا له السحر، فكان يقول : “إني أحس في باطني التهابًا كالتهاب النار إذا طرح فيها الزيت وهو يشوي قلبي” ، ولم يزل يعاوده ذلك الألم مرة بعد أخرى ومع ذلك لم ينقطع عنه الزّوار والوفود ولم يزل يعاني تلك الآلام الشديدة حتى فاضت روحه الطاهرة في ليلة الأثنين وتسع من شهر رجب سنة 1314 هـ  ، واجتمع الكثير من الناس لتشيع نعشه ، وصلوا عليه  وكان إمامهم  سيدنا الحبيب علي بن محمد الحبشي .


المراجع :

قناة آل باعلوي

ترجمة للحبيب عيدروس بن عمر الحبشي .. جمع وترتيب الحبيب حسين بن طاهر الهدار