المهاجر إلى الله أحمد بن عيسى

المهاجر إلى الله أحمد بن عيسى النقيب بن محمد بن علي العريضي بن جعفر الصادق


هو الإمام الجامع بين علوم الظاهر وفتوحات الباطن، أبو الشيوخ المهاجر إلى الله أحمد بن عيسى النقيب بن محمد بن علي العريضي بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي وفاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ميلاده ونشأته

ولد الإمام أحمد المهاجر سنة 273 هـ في مدينة البصرة بالعراق، وقد اختلف المؤرخون في تحديد سنة ولادته بدقة، ونشأ في كنف والديه نشأة دينية علمية، عبر عنها السيد محمد بن أحمد الشاطري في « أدوار التاريخ الحضرمي » بقوله : نشأ المهاجر بين آبائه وأعمامه من أئمة ونقباء وعلماء، في بيئة تزخر بالعلم والنبل والفضل، وفي بلد تفوح بكبار العلماء، فدرس العلوم الإسلامية في الحديث والتفسير والفقه والأدب والتاريخ إلى جانب العلوم العقلية، متتلمذًا على أيدي أولئك الأعلام، ومطلعًا على ثقافة ذلك العصر .

وكان عصر الإمام المهاجر عصرًا زاهرًا بالثقافات في مختلف العلوم فقها وحديثًا وأدبًا وتصوفًا وفلسفة وشعرًا ورياضيات وفلكا وغيره، ومن أبرز أعلام ذلك العصر : الإمام الشافعي، وأحمد بن حنبل، والأصمعي، وابن إسحاق، ومحمد بن جرير الطبري وغيرهم. غير أن هذا الازدهار العلمي تزامن مع الصراعات الفكرية والعسكرية، ما أفضى إلى فوضى اجتماعية وأحداث دامية، وكان لذلك أثر في تشكّل شخصية الإمام وسط بيئة مليئة بالتناقضات .

وقد نشأ الإمام في أسرة ذات شرف وعزة نفس، ونقاء ضمير، إلى جانب الثروة المالية والجاه، مشوبًا بالتقوى والاستقامة الشجاعة، وكان أخوه محمد بن عيسى أحد الأبطال الذين قادوا الجيوش وفتحوا البقاع .

هجرته من البصرة إلى حضرموت

تضافرت الأسباب مجتمعةً في صدر الإمام المهاجر تحثه على اتخاذ قرار حاسم يحفظ به ذريته وذويه من رياح الفتن المتلاحقة على أرض العراق، وقد سبقه كثير من الطالبيين من أهله وأسرته إلى الهجرة إلى أرجاء عديدة من العالم .

في عام 317هـ، قرر الإمام المهاجر الخروج من البصرة إلى المدينة المنورة، في زمن شهد العام فتّنًا وأحداثًا عظامًا، منها في موسم الحج دخل القرامطة إلى مكة وعاثوا فيها الفساد، وفي النصف الثاني من عام 318هـ توجه الإمام المهاجر إلى مكة، في موسم الحج والتقى بجماعة من حجاج التهائم وحضرموت، فابتهجوا به وامتثلوا بعلـمـه وأخلاقـه، وأخبروه بفتنة الخوارج المسيطرة على أرض حضرموت آنذاك، وطلبوا منه الخروج إليهم فوعدهم بذلك .

بعد أداء مناسك الحج، ارتحل بمن معه إلى اليمن، متنقلًا من بلاد إلى بلاد حتى وصل حضرموت سنة 319هـ فتنقل في قُراها، ونزل أولًا قرية الجبيل بوادي دوعن ولم تطل الإقامة بها، ثم انتقل إلى الهجرين وأقام بها سنوات، وابتنى دارًا لا زال أثره إلى اليوم، واشترى نخيلًا وعقارًا ثم وهبها إلى مولاه «شويـه» قبيل مغادرته .

ثم انتقل إلى قرية بني جـشير الواقعـة بقـرب قرية بور، ومنها إلى قرية الحسيسة، واشترى أراضي زراعية تسمـى (صوح) بأعلى قرية (بور) . وفي هذه المرحلة، التف حول الإمام المهاجر غالب القبائل هناك، ولم يتأخر عن اتباع دعوته والتأثر بمذهبه سوى جماعات الخوارج، وقد وجّه الإمام جهده إليهم، ساعيًا لإقناعهم بالحكمة والموعظة الحسنة .

سبب تلقيبه بالمهاجر

لُقب الإمام أحمد بن عيسى بالمهاجر واشتهر به دون غيره، مع أن كثير من أهل البيت هاجروا، إلا أن هجرته لسبب واحد وهو لأنه هاجر كما هاجر النبي ﷺ، ليس طلبًا لنجاة شخصية، بل لحفظ الرسالة ونشر الهداية. وبهذه الهجرة أتسعت رقعة العالم الإسلامي، وانتشار ذريته في كل بقاع الأرض نجومًا ساطعة ودعاة إلى الله، مما جعل هذا اللقب ملازمًا له وحده، لما ترتب عليه من خير للأمة عبر الأجيال .

الإمام المهاجر والخوارج

عندما وصل أحمد المهاجر إلى حضرموت، وقفت بجانبه كل من الأقليات السنية والشيعية في المنطقة، ولكن الإباضية قاوموه، حيث كانت حضرموت تحت تأثير الإباضية آنذاك، وكان المذهب الإباضي هو السائد. بدأ الإمام يحاورهم ويناظرهم بالحكمة والموعظة الحسنة، واستخدام الطرق السلمية في اقناعهم، وكان للإمام المهاجر قصب السبق في الإقناع والحجة، فتأثروا بدعوته وانضم إليه الكثير منهم حتى أخذ المذهب الإباضي بالزوال تدريجيًا من حضرموت إلى أن رحل عنها، فعمّها المذهب الشافعي في الأعمال والأحكام، والمذهب الأشعري في العقائد .

قال الإمام الحداد :

تحامى عن الدنيا وهاجر فارًا……….. .
من البصرة الخضراء يخترق القرى
إلى أن أتى الوادي المبارك فارتضى

إلى الله والأحداث ذاتُ ضِرامِ
ويلحق أغوارًا لها بآكامِ
ومدّ به أطنابه لخيام

وقال الامام الحداد : اثنان لهما أكبر المنة على آل باعلوي الإمام المهاجر أحمد بن عيسى خرج بهم من البدع والفتن، والفقيه المقدم (شيخ الطريقة) سلّمهم من حمل السلاح والعمومية بكسر السلاح .

ذريته

أعقب أربعة من الأبناء : محمد، وعلي، وحسين، وهم ممن بقي في البصرة ولهم ذرية انتشرت في العراق ونواحيها، وعبد الله وهو الذي هاجر مع والده إلى حضرموت ولقب نفسه بـ« عبيد الله » تواضعًا لله تعالى، وقد ارتحل بعد وفاة والده إلى قرية سُمل وتوفي بها وقيل في عرض بور، ثم انتقلت ذرية عبد الله إلى سكنى قرية بيت جُبير، ومنها إلى مدينة تريم التي أصبحت موطنًا لهم وعرفوا بآل باعلوي.

وفاته

توفي الإمام أحمد المهاجر رضي الله عنه سنة 345هـ ودفن في شِعَبِ الحسيسة الشرقي المعروف بـ «شعب مخدّم» الذي لم يزل معلومًا ومشهورًا إلى اليوم . ويلاحظ الزائر ذلك الشِّعب، وقد شيدت على ضريح الإمام المهاجر تلك القبة والملاحق التي حولها في أعلى الجبل وفي أسفله، وتُقام في ذكرى هجرته زيارات ولقاءات علمية، أبرزها الحلقة العلمية الأولى التي عقدت في سيئون وتريم، وقد شارك فيها عدد من الباحثين، وخرجوا بدراسات علمية عن الإمام المهاجر وتاريخه وعلومه وآثار انتقاله وهجرته إلى حضرموت .

 


المرجع :

سلسلة أعلام حضرموت المهاجر إلى الله

قناة أهل الوداد