تأسيس عُلمَة طه
أسس الحبيب طه بن عمر الصافي المسجد، وبجانبه أسس زاوية (معلامة) والتي اشتهرت باسم عُلمة الحبيب طه، وقد كان تأسيسيها فى حدود سنة (973هـ)، وتقع فى الجانب الجنوبي من المسجد تفصل بينها والمسجد الطريق.
العلمة هي المعلامة : وهي المَكْتَبُ موضع الكُتَّاب والمَكْتَبُ، والكُتَّاب موضع تَعلِيم الكُتَّاب والجمع الكَتَاتِيبُ والَمكاتِب الُمبَرِّدُ، المَكْتَب موضع التعليم والمُكْتِب المُعَلِّم، والكُتَّابُ الصِّبيان . كتاب«لسان العرب» : 1 / 698 .
وتعد عُلمة الحبيب طه بن عمر الصافي أول صرح تعليمي ديني بسيؤون، ويتلخص ترتيب العلمة من جانبين هما :
أولاً : المقصد من تأسيس المعلامة (عُلْمَة الحبيب طه)
من مقاصد الحبيب طه بن عمر الصافي السامية تأسيسه هذه الزاوية لتعليم الأولاد القرآن الكريم إضافة إلى تعلُّم القراءة والكتابة مع تطبيق الآداب والأخلاق النبوية، وكي يبتعد الصبيان من دخول المسجد واللعب فيه ورفع الأصوات . حرصاً منه على حرمة وشرف المسجد، للخلاف الواقع بين الفقهاء من دخول الصبيان المساجد حتى يبلغوا سن الرشد .
وقد حرص السابقون على دخول أولادهم تلك العلمة وزيارتها والتّبرك بها وتعليم أبنائهم فيها القرآن الكريم وتعلم الحروف العربية والقراءة والكتابة منذ قرونٍ من الزمن على مر التاريخ إلى يومنا هذا .
ولمِا لها من خصوصيات وبركات يلمس أثرها الزائر والطالب والشيخ الصادق، ولا شك أن التعلم في تلك الأماكن المباركة والتي أسست على نيات ومقاصد صالحة وحسنة تثمر ثماراً يانعة في الدنيا والآخرة .
ثانياً : الجانب التربوي والتعليمي المنهجي
قرأ وتلقى في تلك العلمة خلق كثير لا يُحصَون من الأولياء والصلحاء والعلماء والقضاة والمفتون وطلاب العلم والأدباء وغيرهم، وقرأوا على أيدي نخبة وكوكبة من القراء والمشائخ والأعلام خلال الأربعمائة السنة الماضية والتاريخ والواقع خير شاهد. وحينما نقرأ في كتب التراجم والمناقب الخاصة بعلماء سيؤون إلا (وفلان) من أحفاد صاحب المسجد أو المشائخ أو المحبين ابتدأ في الطلب بقراءة القرآن الكريم عند المعلم أو الشيخ (الفلاني) بعلمة طه .. وهكذا.
وبعد تلك السنين مرت مدينة سيؤون كغيرها من مدن حضرموت واليمن بمرحلة ضارية وقاسية، أغلقت فيها الأربطة الدينية ودور العلم والزوايا والكتاتيب (العُلَم) وحلقات التعليم بالمساجد والبيوت، فترة من الزمان قرابة [35 سنة]،
ثم جاءت مرحلة النهضة العلمية والدعوية في كثير من بلدان المسلمين ومثلها اليمن، وحضرموت خصوصاً، وبدأت باستعادة نشاطها التربوي والتعليمي وتأدية رسالتها الشريفة بعد جرح عميق ألمّ بها، وبدأ التفكير لإعادة ترتيب النشاط حسب الاستطاعة والظروف تدريجيًا وأعيد افتتاح هذا الصرح التعليمي كغيره من الصروح العلمية بشكل أوسع في شهر رجب من سنة ( 1414هـ الموافق (1993م) ، وكانت البداية للدروس في العُلمة وأول حلقة كانت للسيد الأستاذ أحمد بن محمد بن عبداللاه السقاف (إمام المسجد) تتكون من عشرة طلاب تقريباً يقرؤون بين العشاءين في النحو والفرائض حتى استكمل كتاب فتوحات الباحث، وبعد الإشراق إلى وقت الضحى كذلك .
ثم بدأ الطلاب من أهل البلد يفِدون للتعليم فتم التوسع في الحلقات بالتدريج، حيث تم التفكير من قبل المشرفين على المسجد بترتيب إدارة للعُلّمَة (المعلامة) لترتيب المناهج وقبول الطلاب وترتيب مدرّسيهم وأنشطتهم .
ثم استمر إقبال الطلاب على الدراسة بدافع الأهالي الذين يكاد أولياء أمورهم أكثرهم قد ارتبطوا وقرأوا في تلك العُلمة .
وقد تعاقب على إدارة العلمة لفترة قصيرة عدة شخصيات تربوية واجتماعية مثل السيد الأستاذ محمد بن حسن بن بصري السقاف والذي استمر أكثر من (10 سنوات تقريباً) والأستاذ محمد عبد الله بن هود السقاف والأخ أحمد أبو بكر بن محمد حسان .
وقد حصل لمبنى العُلمة تجديدات معمارية آخرها في سنة (1430 هـ) حيث تم إعادة افتتاحها بتاريخ ( 1 ربيع الأول 1430هـ)، أما موقع العلمة الحالي فهو نفس موقع المبنى السابق، إلا أنه تمت توسعته من جميع الجهات، والتوسعة الجديدة مبنيَّة من الطين بمساحة إجمالية (457 م2) وتتسع لحوالي (250) طالب وأكثر حسب الحاجة والخطط التعليمية المستقبلية، ويتكون المبنى من ثلاثة أدوار قابلة للتوسعة رأسياً، بإضافة خمسة فصول دراسية مستقبلاً، إذا اقتضت الحاجة لذلك . وتم تعيين مديراً للعُلمة وهو الأستاذ : محمد بن عبد الرحمن السقاف ومعه الأستاذ أحمد بن حسن السقاف، ثم تلاه مديراً الأستاذ علي بن سالم بن علي بن حامد السقاف من سنة (1433هـ).
وتقوم إدارة العلمة بترتيب استقبال الطلاب للعام الدراسي الذي يبتدئ من شهر شوال وينتهي بشهر شعبان من كل عام. وتعمل جادة في تحسين ورفع مستوى الطلاب العلمي والسلوكي، من خلال تأهيل المعلمين بدروس خاصة في القرآن الكريم والفقه والحديث وغيرها من العلوم ودورات مكثفة لتحسين مستواهم العلمي والمعرفي فيما يقدمونه للطلاب والمتعلمين .
وقد بلغ عدد الطلاب الدارسين في العُلمة قرابة (485 طالباً) موزعين على (30 حلقة) كل حلقة يدرس بها (12-15) طالباً ويوزع منهجهم على (8 مستويات)، ويُدرِّس في تلك الحلقات قرابة (30 مُدَرِساً).
وتُدرس بالعُلمة المواد التالية : القرآن الكريم حفظاً وتلاوة وتجويداً، الفقه، الحديث، السيرة النبوية، والأخلاق والآداب.
وإضافة تعلم مادة اللغة العربية القراءة و(التهجي). وهناك العديد من الأنشطة الأخرى، ويضاف إليها الاحتفال السنوي بذكرى المولد النبوي الشريف على صاحبها أفضل الصلاة والسلام الذي يقيمه الطلاب بساحة العُلمة في أوائل شهر ربيع أول من كل عام . وقد تخرج من العلمة عدداً من الطلاب وهم الآن يقومون بالتدريس في الحلقات بالعلمة بمثابة رد وفاء وجميل، لما تلقوه في تلك الأيام الماضية .
في النظام الحالي لعلمة الحبيب طه بن عمر الصافي لعام (١٤٤٠هـ) تحتوي على عدة أقسام وهي :
قسم التهجي : 3 مستويات ولا يتخرج الطالب منها إلا وهو متقن ومنطلق في القراءة والكتابة ويعطى مع المنهج أساسيات العلم الواجب وقصار السور .
بالإضافة إلى : قسم القرآن الكريم النظر (قراءة نظرية)، قسم الحفظ للقرآن الكريم، قسم علوم الشريعة، قسم تعلم القراءات، الدروس العلمية، حلقات بين المغرب والعشاء، بالإضافة إلى قسم عُلْمة البنات … والذي فُتح مع افتتاح العُلْمة للعام (1410هـ الموافق 1990م) ، وحالياً نظام الدراسة يشمل عدة أقسام : منها قسم تعلم التهجي ثم التلاوة نظر للقرآن ثم الحفظ لمن ترغب، وتقام للطالبات العديد من الدروس في علوم الشريعة وقد تعلم فيها الكثير من الطالبات، وتشرف عليها الأستاذة شريفة بنت الحبيب محمد بن عبدالله الهدار مع زوجها السيد الداعي الى الله محمد بن أبي بكر بن عقيل الحامد… وكل هذه الأقسام تحت إشراف ونُظَّار مسجد الحبيب طه بن عمر الصافي .
المراجع :
كتاب البيان الشافي والنور الوافي في ترجمة الحبيب طه بن عمر الصافي، جمع وترتيب أ. علي سالم السقاف .