إن مساجد تريم كثيرة منيرة، عدوها بـ 94 مسجد من غير المساجد الحديثة، ومن اجلِّها والذي يُعد أول مسجد بُني لآل أبي علوي في مدينة تريم المباركة هو مسجد القوم والمعروف حالياً بمسجد باعلوي .
أسسه سيدنا الإمام الكبير والعلم الشهير علي بن علوي خالع قسم المتوفي سنة 529هـ ، وآخر عمارة للمسجد المبارك هي عمارة سيدنا الشيخ عمر المحضار بن عبد الرحمن السقاف المتوفى سنة 833هـ ، بتريم المحروسة .
سبب التسمية
عرف قديما بمسجد القوم ومسجد آل أحمد لأن الذين بنوه من ذرية أحمد المهاجر وهم : آل بصري، وآل جديد، وآل علوي، وكان القائم عنهم ببنائه الإمام علي خالع قسم من آل علوي . ثم اشتهر بمسجد باعلوي نسبة إلى الشيخ عبد الله باعلوي؛ لأنه أوقف أوقافا كثيرة عليه أراضي زراعية مليئة بالنخل تزيد قيمتها على مئة ألف دينار يصرف ريعها لمتطلبات المسجد والمارستان والخانقاه ومن يرد إليه من الغرباء والزائرين وطلبة العلم، لأن المسجد في القرون الماضية كان يقوم باستقبال طلبة العلم والضيوف الغرباء والفقراء والمحتاجين فيقدم لهم ما يحتاجونه من طعام وسكن وعلاج مجانا، وقد تسابق كثيرون من ذوي الثروة بالوقف على هذا المسجد، فمنهم من وقف نصف أمواله، ومنهم الربع، وكلهم لم يساوي الشيخ عبد الله باعلوي في كثرة الأوقاف، ولهذا نسب إليه وعرف به في حياته وبعد وفاته .
تأسيس وبناية المسجد
أول من أنشأ هذا المسجد الإمام علي خالع قسم قد أسس بناءه من طين بيت جبير (قرية من ضواحي تريم) لطيب تربتها وجودتها وقوة صلابتها، وكان رضي الله عنه، مع جلالة قدره يعمل هو وسائر خدامه في بناء هذا المسجد المبارك وكانوا ينقلون الَّلبِن (المدر المضروب من الطين) إلى تريم على آلة الجراديم (عربة توضع على عجلات تجرها الأبقار والبغال) حتى أكملت عمارته على غاية من الحسن والإتقان .
ولمسجد آل أبي علوي آثار عظيمة وفضائل غزيرة تواترت أخبارها عن جم غفير من الأئمة الأعلام رضوان الله عنهم أجمعين، قال صاحب المشرع الروي (الإمام محمد بن أبي بكر الشلي) في ذكر مساجد تريم : (وأعظم مساجدها بالاتفاق وأشهرها على الإطلاق مسجد القوم المعروف قديمًا بمسجد بني أحمد، واشتهر بمسجد آل أبي علوي في هذا الزمان وهو المسجد المؤسس على تقوى من الله ورضوان، المعمور بالصلاة وتلاوة القرآن منذ أسس إلى الآن، وقد رمَّمَّه سيدنا الإمام محمد بن علي صاحب مرباط بعد والده الإمام علي بن علوي، وعمد إلى ما يريد أن ينقض فأقامه ثم طال به الزمان، ودار عليه الدوران، فانتدب لعمارته الشيخ عمر المحضار، وجمع جميع ما يحصل من وقفه في ذلك العام وهدمه من جميع الجهات إلا الصف الأول من الأسطوانات فهي باقية على عمارة الشيخ محمد بن علي صاحب مرباط إلى الآن، ولما وضع الأساس حضره أعيان الناس، وبُنِي على غاية الإتقان والإحكام، ثم بنيت له منارة في آخر بابه على هيئة منائر تلك الجهة، ثم بني له محل كنين للصلاة أيام الشتاء ملاصقا له من جهة الشرق، وذلك سنة 801 هـ، والرواق الشرقي كان بعضه مخزنا لزيت المسجد ونحوه، فأدخله السيد علوي بن حامد المنفر في بضع وأربعين وألف من الهجرة .
مكانة المسجد
كان للسادة والمشايخ الأعلام بهذا المسجد اعتناء تام، وكانوا يحترمونه غاية الاحترام وكان لا يتكلم أحد فيه بمباح الكلام وينكرون على من فعل ذلك من العوام، ولا يمد أحد رجله فيه بل يجلس متأدبا كأنه في الصلاة، وكان كل واحد يحرص فيه على الإكثار من الطاعات، ويجتهد على أن يمضي فيه أكثر الأوقات، وكان كثير من الناس المتجردين عن الأهل والمال ملازمين الاعتكاف فيه ولا يخرج أحد منهم منه إلا لضرورة أو حاجة .
وكان سيدنا الشيخ عبد الرحمن السقاف لا يدع التهجد والصلاة فيه آخر الليل، وكان يأمر أصحابه بملازمة الصلاة فيه، وكان يجتمع فيه في وقت السحر جم غفير من السادة وغيرهم لتلاوة القرآن ومدارسته، ويستمرون إلى أن يقرب طلوع الفجر، فيذهب كل من له وظيفة في مسجد من إمامة وأذان وغيرها من الوظائف، ويستمر الباقون إلى طلوع الشمس، ولكثرة عبادتهم فيه وملازمتهم الطاعات به يجد داخله من النشاط والأنس والانبساط ما لا يجده في غيره، قال بعض العارفين : أقمت بمكة المكرمة وكنت أجد في المسجد الحرام أنسا جسيمًا وتجليا عظيمًا، فلما وصلت إلى تريم ودخلت مسجد باعلوي وجدت ذلك الأنس والتجلي، وكذا وجدته في مسجد الشيخ عمر المحضار ومسجد محمد بن حسن جمل الليل، وكان بعد أن توطن الشحر يقول : حبب إلي في تريم ثلاثة مجالس : مجلس في مسجد آل أبي علوي، ومجلس عند ركن الجبانة، ومجلس في مسجد الهجيرة، وللشيخ عمر المحضار رضي الله عنه هذه الأبيات :
بلغ الله بنا وصل الأحباب عند ذاك المصلى المبارك
مسجد القوم يا صاح جمعا من ركع فيه ركعة تبارك
قد دخل فيه كم من مشمر عابد صالح ثم ناسك
قد دخل فيه سادة أكابر كم منور و عالم و سالك
المناسبات
يحرص أهل تريم على حضور المناسبات الدينية وحلقات العلم التي تعقد فيه، ويعدون اتساعه في هذه الليالي من آياته الباهرة، فإنه يجتمع فيه خلائق لا يحصون لا سيما في الليالي المشهورة، كليلة المولد النبوي الشريف، والمعراج، وليلة عاشوراء، وليلة ٢٧ من رمضان، وليلة ٨ من شوال لحضور ختم القرآن نهاية صوم أيام الست من شوال، ويجتمع فيه أكثر أهل البلد لسماع الوعظ في المناسبات .

يوجد بمسجد آل باعلوي اسطوانة يقال لها ( المعصورة ) وهي الاسطوانة الوحيدة التي تختلف عن باقي الاسطوانات، قال بعض الأكابر : ينبغي أن يدعوا الله عند اساطينه فقد كانت اسطواناته لا تخلو من صلاة الأولياء عندها ومنها الاسطوانة ـ المعصورة ـ وهي التي كان الفقيه المقدم يصلي عندها ويستند عليها .
تعريف بمؤسس المسجد
هو الإمام علي نور الدين المشهور بخالع قسم بن علوي بن محمد بن علوي بن عبيد الله ابن المهاجر إلى الله أحمد بن عيسى المتصل نسبه إلى الإمام الحسين السبط بن علي بن أبي طالب وابن الزهراء البتول بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إماما عالما عابدًا كريمًا من أعلام هذه الأمة، واشتهر بـ (خالع قَسَم ) وهي منطقة بحضرموت تقع بين عينات والخون، تبعد عن مدينة تريم بنحو عشرة أميال هاشمية تقريبا اشتراها بعشرين ألف دينار وخلعها بالنخيل وسمّاها قَسَم باسم أرض كانت لآبائه بالبصرة وبنى له بيتا فيها، قد صار مدرسة للطلاب، ومنذ عصره بارك الله فيها، وصارت بلدة مباركة معمورة بالخيرات وكثر فيها العلماء والصلحاء منذ بداية القرن السادس حتى اليوم، وهو أول من توطن من الأشراف العلويين بمدينة تريم مع إخوانه وبني أعمامه من بني جديد وبصري سنة 521هـ وتوفي بها ودفن بمدينة تريم بمقبرة زنبل المباركة وهو أول من دفن بها عام 529هـ .
المراجع :
كتاب الدليل القويم في ذكر شيء من عادات تريم ، تأليف السيد حامد بن محمد بن شهاب الدين .
المشرع الروي للإمام محمد بن أبي بكر الشلي .