الذكر والحذف في التعبير القرآني

القرآن يحذف من الكلمة لغرض ، ولا يفعل ذلك إلا لغرض


الذكر والحذف

قد يحذف في التعبير القرآني من الكلمة نحو (استطَاعوا) و (اسْطَاعُوا) ، (تَتَنَزَّل) و(تَنَزَّل ) ، ( تتوفاهم) و (تَوَفَّاهم) ، (لم يكن) و (لم يكُ) وما إلى ذلك، وكلُّ ذلك لغرض وليس اعتباطاً، فالتعبير القرآني تعبير فني مقصود ، كل كلمة ، بل كل حرف إنما وُضِعَ لقصد .

إن القرآن يحذف من الكلمة لغرض، ولا يفعل ذلك إلا لغرض، ومن ذلك على سبيل المثال : منه أنه يحذف من الفعل للدلالة على أنَّ الحَدَثَ أقل مما لم يحذف وأن زمنه أقصر ونحو ذلك، فهو يقتطع من الفعل للدلالة على الاقتطاع من الحدث، أو يحذف منه في مقام الإيجاز والاختصار، بخلاف مقام الإطالة والتفصيل .

فإذا كان المقام مقام إيجاز أوجز في ذكرِ الفعل، فاقتطع منه، وإذا كان في مقام التفصيل لم يقتطع من الفعل، بل ذكره بأوفى صورة .

ومن ذلك نحو قوله تعالى : ﴿ فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا )[الكهف] . وذلك في السد الذي صنعه ذو القرنين من زُبر الحديد والنحاس المُذاب، وقد ذكرنا أنَّ الصعود على هذا السد أيسر من إحداث نقب فيه لمرور الجيش، فحذف من الحدث الخفيف، فقال : ﴿ فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ ) بخلاف الفعل الشاق الطويل، فإنه لم يحذف بل أعطاه أطول صيغة له فقال : ﴿ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبَا ) فَخَفَّفَ بالحذف من الفعل الخفيف بخلاف الفعل الشاق الطويل، ثم إنه لما كان الصُّعود على السَّدِّ يتطلَّب زمناً أقصر من إحداث النَّقْب فيه ، حذف من الفعل وقصر منه ليجانس النُّطْقُ الزمن الذي يتطلبه كُلُّ حدث .

ومن ذلك على سبيل المثال قوله تعالى : ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ﴾ [القدر ]
وقوله : ( هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223)) [الشعراء] ، فقال في هذه الآيات (تَنَزَّل) .
في حين قال : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت ].

فقال في آيتي ( القدر والشعراء) (تَنَزَّل) بحذف إحدى التاءين، وقال في (فُصِّلَتْ) : (تَتَنَزَّل) من دون حذف، وذلك ـ والله أعلم – أن التنزل في آية (فصلت) أكثر مما في الآيتين الأخريين، ذلك أن المقصود بها أن الملائكة تنزل على المؤمنين عند الموت لتبشرهم بالجنة .


المراجع :

كتاب بلاغة الكلمة في التعبير القراني من تأليف الدكتور فاضل صالح السمرائي


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *